شوال من المطر…، لعبد الله الكعبي تلميذي العماني النجيب

لست بظل ولا بوادٍ ذي زرع ولكن تلك زخات ماطرة مرت كثيرا أمام مخيلتي ولا أنساها، وأنا بعمر الأربعين أحكي لكل صغير أوضاع الطقس القديمة ، أدقق بكل حبة مطر تسقط على رمل مدينتي، أتذكر كلام عمي وهو يلوح بيده يا ولدي أنت مسكين،
وهو يتحداني بل ويعجزني، وكثيرا ما يضحك علي عند عجزي بحل ألغازه و أسئلته.


قال لي بلهجة المتحدي ولدي ماذا درست أنت ؟ وأنت لا تعرف حساب حبات الرز في شوال البشاور الكبير.
وضع رجله اليمنى على اليسرى وقال كان (البنياني) داموه يخبرنا كم حبة رز في الشوال .
الصدق لدى كبار السن طبع، جبال وادي القحفي شهدت مثل عيوني أمطارا سالت على أثرها الشعاب والأودية . في عام التاسعة والثمانين وتسع مائة وألف كان الشتاء ولا زال عالقا بذاكرتي…خرجنا أنا وأبي وعمي وإخوتي وأبنا العم أيضا نلف شوارع شناص الترابية ونحن راكبون سيارة من نوع (داتسن) القوية تلك (البي كب) والملحفة بالخلف بقماش يسمى (طربال)
رأيت ذاك الوادي
لقد تعدّى أفق التوقع ماؤه، لقد جاء من أعلى المفالح والجسور كان المقياس فوق الجسر مركّبا وقد غطى الوادي حتى تلك المقاييس الحديدية ورأينا لأول مرة البحرالعملاق ينحدر رأسا على عقب…
الماء يدخل بسلاسة بيوتنا المبنية من الطين والمواد المتطايرة. تلك سنة الرحمة نعم فرحت مثلك باسمها سنة الرحمة فاض الماء ولامس أسرّتنا وطيّر بيوتنا المبنية من السعف . سنة أحسسنا فيها بسعادة غامرة نحن الصغار . سنة عالقة بذهن الطفل ذي الثامنة والتاسعة والعاشرة من عمره.
لحظات لا تنسى من جريان المياه والاودية ، والأباء يحملوننا نحو الجمال بعينه.
ها هي الآن تحولت لذاكرة عابرة، ذاكرة تنشب في غصة الزمن الصعب، ذاكرة تتلاشى بسهولة حينما تتراكم الاخبار عليك .
عدنا من السيح ولكن ذهبنا بسرعة .
وانا أقولها بكل حزن وأسف ما كنت أعلم أن سنة الرحمة تطلق على كثرة حالات الموت من الأمراض او الكوارث الطبيعية . تلك صدمة لي أنهكت قواي بكل سرعة وتعب. آه لقد دمجوا اسم الرحمة بالموت لعلهم محقون . ولعلها رحمة …
سمعت زوجة عمي تكلّم عمتي … عائشة إنه ابن (خرباش)… مات وهو متجول بالوادي فجرفه؛ فماتت بسرعة كل الذكريات وربما جرفها الوادي في لحظة انغماس العمر بالتأمل … ذلك يحدث وأنا أعدّ قطرات المطر مثلما عدّ داموه حبات الرز بالشوال ….

Related posts

Leave a Comment